لقد عمل الشعراء الصوفية الرواد، و منهم أبومدين التلمساني ( -594هـ ) الذي اتخذنا من شعره نموذجا في هذه القراءة، على أن يخلقوا شكلا للقصيدة َ الصوفية متميزا عن مثيله في القصيدة التقليدية، يخضع في بنائه للتجربة الصوفية العملية َ المتميزة في الثقافة العربية الإسلامية، و محاولة تحديد هذا الشكل، بوصفه بنية لسانية سطحية، و تحديد هذه التجربة، بوصفها بنية عميقة دالة، و محاولة إيجاد العلاقة التفاعلية بينهما، أو فلنقل بين التشكيل و الرؤيا ، يعدَ المحور المنهجي الذي قامت عليه هذه الدَراسة في فصولها الأربعة. و نهدف من وراء هذا العمل إلى تحليل بنية الخطاب الشعري الصوفي عند أبي مدين التلمساني بالخصوص، في إطار الخطاب الشعري الصوفي على العموم، و إلى محاولة وضع وظائف قارة لهذا الخطاب تكون منطلقا لقراءة أي نص شعري صوفي و الاقتراب من فهمه، هذا الخطاب الذي قلما تجردت له الأقلام لقراءته بطريقة ما من طرق القراءة الحديثة، مثلما تجردت لقراءة الخطاب الأدبي العادي، على الرغم من أن تراثنا الشعري العربي عموما، و منه المغاربي خصوصا، حافل بهذا اللون من الشعر، و ربما غلب من حيث الكثرة و النضج الفني على اللون العادي منه..