...ولقد كان من آثار اتساع رقعة علم الفقه ، وعلو بنيانه و شموخه : أن أصبحت فروعه تنمو ّ وتتكدس يوما بعد يوم، إلى أن صار يصعب على الفقيه ّلم فروعه و الإحاطة بها دون عناء أو مشقة، و إذا كان هذا هو الحال فقد اضطر أهل الفقه الإسلامي إلى تقسيمه إلى مجموعات كبيرة سميت بالفقه المذهبي، إذ كل مذهب تميز بفروعه الخاصة به ،فقيل:هذه فروع مذهب كذا ، و هذه فروع مذهب كذا.... و قيل هذه كتب فقه مذهب كذا ، و هذه كتب فقه مذهب كذا....و اختلفت هذه الكتب من حيث كثرة فروعها و قلتها ، و من حيث اعتماد أحكامها و عدم اعتمادها، و من حيث اشتهارها و عدم اشتهارها و ... و كان المذهب المالكي هو أكثر المذاهب اهتماما بالمقاصد الشرعية، وهو أوسع الأصول و أكثرها عددا، و أضخم الفروع الفقهية على الإطلاق. فكان مهيمنا على كل فقه في الدنيا، و كان عالميا تنهل منه قوانين الدنيا حسب الزمان وحسب المكان، وقد نتج عن هذا الاتساع و الشمول أن ظهرت له مدارس فقهية تميزت عن بعضها البعض بميزات طفيفة دقيقة، فما مدى اتساع الفقه المالكي لشموله أحكام العبادات و أحكام المعاشات ؟ و ما مدى عالميته ؟و ما مدى هيمنته على سائر الفقه في العالم ؟و ما هي مدارسه البارزة ودورها في نشره في سائر العالم ؟، هذه الأسئلة وغيرها هي التي سأحاول بإذن الله تعالى أن أجيب عليها في هذا الكتاب.